خامساً – الحلول المقترحة:
يلاحظ من العرض السابق أن المشكلة الأساسية في تحقيق التكامل
بين نظام محاسبة المسؤولية ونظام تكاليف الأنشطة ترتبط بشكل أساسي بالتأثير
العشوائي للأحداث الاقتصادية. فإذا أمكن عزل التأثير العشوائي لكميات
العمل المنجزة والإنفاق الفعلي ، عندئذ يمكن الوصول إلى حل لمشاكل التكامل
بين النظامين ضمن المنظمة.
يرى الباحث أنه يمكن تطوير حلول التكامل بين النظامين عبر
استغلال إمكانيات نظم إدارة قواعد البيانات الترابطية ( Relational
Database Management Systems )، حيث تتيح هذه النظم الفصل بين مرحلتين في
بناء نظم المعلومات، مرحلة بناء قاعدة البيانات(Database ) ومرحلة إعداد
وتطوير برامج التطبيقات ( Application Programs ) . تتضمن مرحلة بناء قاعدة
البيانات تحديد الكيانات المشاركة في النظام والصفات التي يجب ربطها بهذه
الكيانات من أجل تصوير واقع المنظمة ، أما برامج التطبيقات فتتضمن عمليات
المعالجة التي يجب أن تتم على قيم الصفات المخزنة في قاعدة البيانات من أجل
الوصول إلى النتائج التي يرغب المستفيدون من النظام في الوصول إليها.
انطلاقاً من هذه الإمكانية نرى أنه يجب عند تصميم نظام
معلومات التكاليف الفصل بين هاتين المرحلتين ، ففي المرحلة الأولى مرحلة
بناء قاعدة البيانات والتي سوف نطلق عليها في نظام معلومات التكاليف
المحاسبة الأساسية ” Basic Accounting ” . والمرحلة الثانية والتي تتضمن
عملية إعداد برامج التطبيقات والتي سوف نطلق عليها الحسابات
التقويمية ” Evaluating Accounts ” .
المحاسبة الأساسية:
يقصد بالمحاسبة الأساسية مرحلة تجميع وتسجيل مخزون البيانات
التي تشكل مادة المعالجة في نظام معلومات التكاليف بشكل يِمكن من تقديم
هذه البيانات التي يحتاج نظام معلومات التكاليف إليها للإجابة على كافة
الاستفسارات التي يحتاجها المستخدمون. تتكون المحاسبة الأساسية من مجموعة
من الروابط التي تصور الكيانات (Entities ) المشاركة والصفات ( Attributes
) المرتبطة بهذه الكيانات في نظام التكاليف المتقرح . وبما أن الصفات
المرتبطة بكيان ما غير محدودة لذلك يجب أن تتم عملية اختيار للصفات التي
تلعب دوراً هاماً عند عمليات التقويم التي يخضع لها مخزون البيانات. ومن
أجل جعل المحاسبة الأساسية قابلة للتقويم بشكل عام والإجابة على كافة
الاستفسارات الممكنة، فإنه يجب عند تسجيل بيانات التكاليف في المحاسبة
الأساسية الالتزام بالقواعد التالية:
1- يجب أن تتضمن الحسابات الأساسية كل العمليات والأنشطة
الهامة لعمليات التقويم اللاحقة. ويتم ضمان تحقيق هذا المتطلب عن طريق
التوسع في تحديد الأنشطة والفعاليات التي تسبب نشوء التكاليف عوضا عن
المفهوم التقليدي الذي يكتفي بتصنيف التكاليف إلى عناصر التكلفة ،ثم توزيع
عناصر التكاليف على مراكز التكلفة ووحدات الإنتاج.
2- كل القيم يجب أن تسجل وتربط بذلك الكيان الذي يمكن من
الوصول إليها . أي أنه يجب تسجيل القيم مع ذلك الكيان الذي يمكن التعرف إلى
عنصر التكلفة معه كتكلفة مباشرة. وبالتالي فإن الحسابات الأساسية لا تحتوي
على تكاليف غير مباشرة وفق المفهوم الجديد.
3- يجب أن تسجل كافة الصفات التي تخص الكيان والتي تعتبر هامة
لعمليات التقويم لاحقا مثل الصفات النوعية والبعد الزمني للكيان والعلاقات
بين الكيانات المختلفة الموجودة في الحسابات الأساسية. ويتم ذلك عبر
مجموعة من البيانات التي تسجل بالإضافة إلى البيانات المالية ، مثل الكميات
المستهلكة والزمن ، نوعية الموارد ( موارد مرنة أو موارد غير مرنة )،
البعد الزمني لعنصر التكلفة.والعلاقة بين عنصر التكلفة ومحرك التكلفة.
4- لا يجوز دمج العناصر المتجانسة مع بعضها، إذا كانت هناك
حاجة لها لعمليات التقويم لاحقا. فمثلاً يوجد نوع من المواد يستخدم في
تصنيع عدة منتجات في مركز تكلفة محدد، فلا يجوز إثبات هذه المادة مع مركز
التكلفة فقط، لأننا لا نستطيع معرفة نصيب كل منتج من المنتجات من هذه
المادة.
5- لا يجوز توزيع قيم متجانسة إلا إذا كانت هناك إمكانية
للوصول لهذه القيمة عن طريق تجميع القيم الموزعة بشكل عكسي. فلا يجوز توزيع
نفقة إيجار المصنع على أقسام المصنع إلا إذا كانت عملية التوزيع تتم مثلا
على أساس مساحة كل قسم وكانت مساحة كل قسم مخزنة في الرابطة.
والباحث يرى أنه يجب بناء محاسبة أساسية تتضمن المعطيات
التخطيطية المعيارية في نظام معلومات التكاليف وبناء محاسبة أساسية تتضمن
البيانات الفعلية عن الأحداث الاقتصادية التي جرت في المنظمة.
يعتمد نظام تخطيط التكاليف على المعلومات الفنية للإنتاج
بالإضافة إلى معلومات نظام تخطيط الإنتاج وجدولته. لذلك يجب الانطلاق في
تصميم وتشغيل نظم التكاليف التخطيطية من التكامل (Integration ) بين كافة
نظم المعلومات ضمن المنظمة. يدعم هذه المقولة أن البيانات التي تخزن
وتعالج في نظام معلومات التكاليف هي في معظمها بيانات ثانوية (
Secondary )، أي أنها ليست أولية (Original ) ، مثل المواد الأولية
اللازمة لإنتاج وحدة المنتج التي يتم تحديدها من حيث الكمية والمواصفات من
قبل مصممي المنتج وتصاغ على شكل قائمة مواد ، وكذلك خطة العمل ( Work Plan
) الموزعة على مجموعة من العمليات الصناعية، والتي تتضمن نوع وزمن العمل
البشري وعمل الآلات اللازمين لإنتاج وحدة المنتج في كل مرحلة من مراحل
الإنتاج . وتعد هذه البيانات الأساس في تحديد معايير التكاليف الصناعية
وتخطيط التكاليف والرقابة عليها لاحقاً سواء كان لأغراض محاسبة الأنشطة أو
محاسبة المسؤولية . بالإضافة إلى معلومات أخرى حول الهرم التنظيمي وبنية
مراكز التكلفة وطبيعة الأنشطة في المنظمة. ويتم التكامل تخطيطيا عبر ربط
العمليات الموجودة في قاعدة البيانات من خلال أرقام تعريفية مرة بمركز
المسؤولية ومرة أخرى بالنشاط الذي تنتمي إليه العملية المذكورة. وبذلك يمكن
الاعتماد على قاعدة البيانات في تخطيط التكاليف على مستوى مراكز المسؤولية
ومرة ثانية في تقدير تكاليف الأنشطة وتخطيطها. أما بالنسبة للعمليات غير
الإنتاجية مثل نشاط التصميم ونشاط تحويل الآلات ونشاط التخزين نشاط الشحن
..الخ، فيتم عملية ربط الموارد المخصصة لهذه الأنشطة مع الأنشطة عبر الخطة
التنظيمية التي تقوم بتخصيص الموارد على الأنشطة ومراكز التكلفة مع تخزين
كل المؤشرات الكمية والنوعية التي تساعد في العملية التخطيطية.
أما في إطار نظام التكاليف الفعلية المتعلقة بقياس وتقويم
الموارد المستهلكة أثناء تنفيذ العملية الإنتاجية والتسويقية ضمن المنظمة ،
فانه يمكن تحقيق قاعدة بيانات موحدة تخدم كلاً من نظام تكاليف الأنشطة
ونظام محاسبة المسؤولية ، إذا تم في تصميم قاعدة البيانات ( الحسابات
الأساسية ) مراعاة الاعتبارات التالية ، بهدف الوصول إلى حسابات أساسية
تحقق الحياد والموضوعية:
1- الربط بين نظم محاسبة التكاليف والمستندات الأساسية:
يتم تخزين المستندات الأساسية في رابطتين تحتوي الرابطة
الأولى على المعلومات العامة المتعلقة بالمستند ، أما الرابطة الثانية
فتتضمن محتوى المستند الحقيقي المتمثل في أسطر المستند. وسوف نوضح آلية
تصميم روابط المستندات الأولية من خلال قسيمة سحب مواد أولية من المخازن
إلى قسم الإنتاج. يتطلب توصيف الرابطة الأولى لقسيمة المواد الحقول
التالية:
( رقم القسيمة،
التاريخ ، رقم الشخص الذي طلب المواد )
أما توصيف محتويات قسيمة المواد فتتضمن أسطر قسيمة المواد،
وبما أن القسيمة يمكن تحتوي على أكثر من سطر لذلك يتوجب إنشاء رابطة ثانية
تدعى رابطة أسطر قسيمة المواد وتتضمن الحقول التالية:
(رقم القسيمة ،
رقم السطر،رقم المورد ، التوصيف، وحدة القياس ، الكمية ، معدل
التحميل ، رقم عنصر التكاليف ، رقم النشاط ،رقم مركز التكلفة ، رقم المنتج
، رقم طلبية الإنتاج ،تاريخ بدء الاستفادة من النفقة ، تاريخ الانتهاء،
..الخ.)
وهكذا بالنسبة لبقية المستندات، أما بالنسبة لبعض أنواع
النفقات التي لا يمكن تصنيفها مع منتج معين فيكفي تصنيفها مع النشاط الذي
تسبب في نشوئها في إطار الحسابات الأساسية، إذ أنه من الممكن ربط كل مستند
من المستندات مع نشاط محدد، وبالتالي يتم التخلي بشكل كامل عن عمليات
التوزيع العشوائي لبعض عناصر التكلفة على المراكز المستفيدة أو المنتجات في
(الحسابات الأساسية). وتستخدم هذه الحقول التعريفية مثل رقم النشاط أو رقم
المنتج في تصنيف التكاليف على الأنشطة المستفيدة وعلى المنتجات
المستفيدة ومراكز التكلفة المستفيدة.
2 -الربط بين مستندات الإنفاق والمدة الزمنية
للاستفادة من النفقة:
يشكل الحقلان تاريخ بدء الاستفادة وتاريخ الانتهاء مدخلا
يمكن من عزل التأثير العشوائي للأحداث الاقتصادية وذلك عن طريق تصنيف
النفقات وجعلها متضمنة في الحسابات التقويمية فقط إذا كانت الفترة مستفيدة
فعلا من النفقة بغض النظر عن تاريخ دفع النفقة.
3 -إثبات الكميات المستهلكة من الموارد بمعزل عن قيم
هذه الكميات:
يجب تخزين الكميات المستهلكة والزمن المستهلك من الموارد
بشكل مستقل عن عمليات تقويمها وفق الأسعار المختلفة حيث يسمح ذلك
بإمكانيات تقويم مختلفة لعناصر الموارد المستخدمة ولعزل التغييرات في
الأسعار في قياس كفاءة الأنشطة ومراكز التكلفة.
4 – قياس إنجاز الأنشطة:
يتطلب تقويم فعالية الأنشطة المختلفة داخل نظام تكاليف
الأنشطة، ربط التكاليف المستهلكة بالنتائج التي ينفذها النشاط، وبالتالي
لابد من قياس وإثبات نتائج عمل الأنشطة عبر مؤشرات إنجاز ( مقاييس) تعد
معبرة بشكل جيد عن الفعالية الاقتصادية للنشاط. يمكن استخدام محركات
التكلفة لقياس نتائج الأنشطة المختلفة، لأن محركات التكلفة هذه توصف درجة
التشغيل لنشاط معين فهي تشكل نتائج هذا النشاط، لذلك يمكن استخدامها لقياس
مستوى إنجاز الأنشطة المختلفة، وبالتالي تستخدم لبناء معدلات التحميل
تكاليف الأنشطة المختلفة على حوامل التكلفة، لأن تحليل تكاليف الأنشطة يجب
أن يمتد ليشمل العلاقة بين تكاليف النشاط والنتائج التي تقدمها
الأنشطة.
ويجب المحافظة على هذه البيانات في الحسابات الأساسية دون
عمليات دمج أو تلخيص لأغراض التقويم وإعداد التقارير. ومن الأمثلة على
البيانات التي تجمع في الحسابات الأساسية بيانات توصيف الأنشطة المختلفة،
وكذلك العلاقات بين هذه الأنشطة والتكاليف النوعية وكذلك العلاقات بين
الأنشطة والنتائج، وبالتالي فإن عمليات الحسابات التقويمية لا تغير من
محتوى البيانات المخزنة.
الحسابات التقويمية:
فهي عبارة عن مجموعة من برامج التطبيقات التي تتم على
البيانات المخزنة في الحسابات الأساسية بغرض إعداد التقارير وتقديمها
بالشكل الذي يلائم المستخدمين، مثل حساب تكلفة الوحدة بغرض تقويم المخزون،
حساب الانحرافات ، حساب تكلفة الوحدة من المنتج لأغراض التسعير، تحديد
تكاليف أمر الإنتاج ، تحديد الحجم الأمثل لأمر الإنتاج ..الخ من عمليات
التقويم التي تتم على البيانات التكاليفية، وكل العمليات الأخرى التي تهدف
إلى إنتاج معلومات من قاعدة البيانات المتمثلة في المحاسبة الأساسية. ولذلك
فإن عمليات المعالجة التي تتم في الحسابات الخاصة لا يجوز أن تؤدي إلى
تغيير محتوى المحاسبة الأساسية من أجل ضمان نزاهة البيانات. إنها عبارة عن
برامج تطبيقات تعمل على الوصول إلى البيانات المخزنة في الحسابات الأساسية
وتعمل على تجميعها وتلخصيها وترتبيها بحسب الغرض من استخدامها من قبل
المستفيدين .
تعد بمثابة برامج التطبيقات ( Application Programs ) التي
تعمل على تلخيص وترتيب وتصنيف البيانات المخزنة في قاعدة البيانات لتقدم
بالشكل والأسلوب الذي يلائم المستخدم بحسب المشكلة التي تواجهه من دون أن
تغير في محتوى قاعدة البيانات .
وبالتالي تتمثل المشكلة في هذه الحالة في تحديد القيم التي
يجب أن تدخل في نموذج اتخاذ القرار وليس في تخزين البيانات في قاعدة
البيانات.
ويتفق هذا المدخل مع مدخل الأحداث الذي اقترحه سورتر (
Sorter, 1969, pp.13 ) حيث يقول :
“Instead of producing input values for unknown and perhaps
unknowable decision models directly, accounting provides information
about relevant economic events that allows individual users to generate
their own input values for their own individual decision models”
سادساً – النتائج والمقترحات:
1- تتأثر الصناعة في المرحلة الحالية من
التطور بمجموعة من التغييرات التي تحكم نظمها الإنتاجية والإدارية مثل
الاتجاه نحو استخدام النظم الآلية في الإنتاج والتنوع في تقديم المنتجات
والتوسع في حجم المشروعات الصناعية وازدياد أهمية النوعية وازدياد حدة
المنافسة، مما يقود إلى ضرورة اعتماد استراتيجيات جديدة في إدارة المنظمات
الصناعية مثل زيادة القدرة التنافسية للمنظمة عبر رفع الكفاءة الإنتاجية،
إدارة الجودة الشاملة، تخفيض التكاليف. ويتطلب تطبيق هذه الاستراتيجيات
كماً هائلاً من المعلومات التي يجب أن تقدم في الوقت الملائم والشكل
المناسب الذي يجب أن يخدم القرار الذي يتم اتخاذه.
2- إن توفير هذه المعلومات يتطلب تطوير نظم المعلومات في
المنظمة بشكل عام ونظم التكاليف بشكل خاص بحيث تصبح هذه النظم قادرة على
الإيفاء بحاجات المستخدمين في الوقت الملائم والشكل المناسب. ويجب أن ينظر
إلى المنظمة كنظام متكامل في استراتيجيات تطوير نظم المعلومات، حتى يمكن
تطوير نظم معلومات فعالة واقتصادية. ويتم ذلك ببناء قاعدة بيانات موحدة
لكافة النظم الفرعية داخل المنظمة وذلك يؤدي إلى توفير في إدخال البيانات
وتخزينها وتحديثها والربط فيما بينها.
3- يشكل التكامل بين نظام محاسبة المسؤولية كنظام يخدم أهداف
الرقابة التشغيلية ونظام تكاليف الأنشطة كنظام يخدم القرارات الإدارية أحد
المداخل الهامة في تزويد الإدارة بالمعلومات التي تساهم في العديد من
عمليات صنع القرارات ضمن المنظمة مثل قرارات قبول طلبية إنتاج ، قرارات
تقويم ربحية المنتجات والعملاء ، قرارات تخصيص الموارد على الأنشطة
المختلفة .
4- يتطلب تحقيق التكامل بين نظام محاسبة المسؤولية ونظام
تكاليف الأنشطة الفصل بين مرحلتين في تطوير هذه النظم مرحلة بناء قاعدة
البيانات ومرحلة تقويم مخزون قاعدة البيانات، بالإضافة إلى الفصل بين
المعطيات التخطيطية والمعطيات الفعلية. مما يمكن من الاستفادة من هذه
المعطيات في صنع القرارات، من دون أن تؤدي إلى تزويد المدير بمعلومات مضللة
حول كفاءة وفعالية أنشطة المنظمة وأقسامها.
5- يؤدي هذا التكامل إلى إمكانيات جديدة في تحقيق الرقابة على
الأنشطة والأقسام وإعداد التقارير المالية وإعداد الموازنات التقديرية،
مما يمكن الإدارة من تبني السياسات الإدارية الحديثة ( الإدارة بهدف
التحسين المستمر، إدارة الجودة الشاملة، التكاليف الهادفة ) بفعالية نتيجة
توفر المعلومات الضرورية لتطبيق هذه السياسات.
المصدر : مجلة المدير المالى