admin مدير عام المنتدى
عدد المساهمات : 1358 تاريخ الميلاد : 16/12/1985 تاريخ التسجيل : 04/01/2010 العمر : 38 الموقع : http://profittoprofit.blogspot.com المزاج : الحمد لله كويس
| موضوع: المسلمون و الانهيار الاقتصادي العالمي الثلاثاء 3 أغسطس - 15:50 | |
| سبحان الذي جعل الأيام دول, فلا دوام لحال إلا بإذن الملك القهار, ليدل الخلق على جبروته, ويعظهم بقدرته وقوته, وحتى يتوب التائبون ويئوب الأوابون, وينيب المنيبون, ويركع لعظمته الراكعون.
فمن سنن الله تعالى الكونية قول الرسول صلى الله عليه وسلم فيما رواه الشيخان «حقٌ على الله تعالى ألا يرتفع شيء من الدنيا إلا وضعه».
وهذه سنة عامة في كل الأمم، فبالأمس فقط كان العالم يتكلم عن أمريكا على أنها هي القطب الأوحد الذي يدير العالم وأنها أعظم الأمم، وأكبر القوى... إلى غير ذلك من الهالات التي أطلقوها عليها حتى أصابها من غطرسة الكبرياء، والقوة، والتسلط ما رأينا من احتقار لإرادات الشعوب وتحطيم لكبرياء الأمم وازدراء لأديانها وأعراضها ومقدراتها .
واليوم بعد الانهيار الكبير للاقتصاد الأمريكي يتحدث الناس عن انهيار أمريكا كقوة عظمى وكقطب أحادي, وعن بداية تلاشي الهيمنة الأمريكية على العالم, وانتهاء زمن أمريكا شرطي الكرة الأرضية الغاشم المدلل.
ويذكرني إعجاب الناس بقوة أمريكا ثم تعجبهم من انهيار اقتصادها بما حدث من قوم موسى عليه السلام مع قارون, ففي عز زمن الغطرسة الأمريكية كان لسان حال الأمم يا ليت لنا مثل ما أوتيت أمريكا, وهو نفس قول قوم موسى لقارون, قال تعالى في الآية 79 من سورة القصص: { فَخَرَجَ عَلَىٰ قَوْمِهِ فِي زِينَتِهِ ۖ قَالَ الَّذِينَ يُرِيدُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا يَا لَيْتَ لَنَا مِثْلَ مَا أُوتِيَ قَارُونُ إِنَّهُ لَذُو حَظٍّ عَظِيمٍ}.
واليوم بعد بداية الانهيار الكبير لأمريكا كقوة عظمي هرول الجميع يقول ويكأنه لا يفلح الظالمون, الفرح العالمي ببداية انهيار أمريكا مشاهد ومنظور, وذلك نتاج طبيعي لتكبرها وغطرستها, وسنن الله لا تكذب فلا محالة هذه الدولة الظالمة إلى زوال, ومن أساء فسترد إليه سيئته لا محالة, قال تعالى في سياق نفس القصة من آيات سورة القصص: {فَخَسَفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِ الْأَرْضَ فَمَا كَانَ لَهُ مِنْ فِئَةٍ يَنْصُرُونَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَمَا كَانَ مِنَ الْمُنْتَصِرِينَ {81} وَأَصْبَحَ الَّذِينَ تَمَنَّوْا مَكَانَهُ بِالْأَمْسِ يَقُولُونَ وَيْكَأَنَّ اللَّهَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَيَقْدِرُ ۖ لَوْلَا أَنْ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا لَخَسَفَ بِنَا ۖ وَيْكَأَنَّهُ لَا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ {82} تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لَا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ وَلَا فَسَادًا ۚ وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ {83} مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ خَيْرٌ مِنْهَا ۖ وَمَنْ جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَلَا يُجْزَى الَّذِينَ عَمِلُوا السَّيِّئَاتِ إِلَّا مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [القصص:81-84].
يقول الإمام ابن كثير في تفسير الآيات: فَلَمَّا خُسِفَ بِهِ أَصْبَحُوا يَقُولُونَ وَيْكَأَنَّ اللَّه يَبْسُط الرِّزْق لِمَنْ يَشَاء مِنْ عِبَاده وَيَقْدِر أَيْ لَيْسَ الْمَال بِدَالٍّ عَلَى رِضَا اللَّه عَنْ صَاحِبه فَإِنَّ اللَّه يُعْطِي وَيَمْنَع وَيُضَيِّق وَيُوَسِّع وَيَخْفِض وَيَرْفَع وَلَهُ الْحِكْمَة التَّامَّة وَالْحُجَّة الْبَالِغَة وَهَذَا كَمَا فِي الْحَدِيث الْمَرْفُوع عَنْ اِبْن مَسْعُود " إِنَّ اللَّه قَسَمَ بَيْنكُمْ أَخْلَاقكُمْ كَمَا قَسَمَ بَيْنكُمْ أَرْزَاقكُمْ وَإِنَّ اللَّه يُعْطِي الْمَال مَنْ يُحِبّ وَمَنْ لَا يُحِبّ وَلَا يُعْطِي الْإِيمَان إِلَّا مَنْ يُحِبّ " {لَوْلَا أَنْ مَنَّ اللَّه عَلَيْنَا لَخَسَفَ بِنَا} أَيْ لَوْلَا لُطْف اللَّه بِنَا وَإِحْسَانه إِلَيْنَا لَخَسَفَ بِنَا كَمَا خَسَفَ بِهِ لِأَنَّا وَدِدْنَا أَنْ نَكُون مِثْله {وَيْكَأَنَّهُ لَا يُفْلِح الْكَافِرُونَ} يَعْنُونَ أَنَّهُ كَانَ كَافِرًا وَلَا يُفْلِح الْكَافِر عِنْد اللَّه لَا فِي الدُّنْيَا وَلَا فِي الْآخِرَة .
ثم يردف قائلاً: يُخْبِر تَعَالَى أَنَّ الدَّار الْآخِرَة وَنَعِيمهَا الْمُقِيم الَّذِي لَا يَحُول وَلَا يَزُول جَعَلَهَا لِعِبَادِهِ الْمُؤْمِنِينَ الْمُتَوَاضِعِينَ الَّذِينَ لَا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْض أَيْ تَرَفُّعًا عَلَى خَلْق اللَّه وَتَعَاظُمًا عَلَيْهِمْ وَتَجَبُّرًا بِهِمْ وَلَا فَسَادًا فِيهِمْ كَمَا قَالَ عِكْرِمَة الْعُلُوّ: التَّجَبُّر . وَقَالَ سَعِيد بْن جُبَيْر الْعُلُوّ: الْبَغْي. وَقَالَ سُفْيَان بْن سَعِيد الثَّوْرِيّ عَنْ مَنْصُور عَنْ مُسْلِم الْبَطِين الْعُلُوّ فِي الْأَرْض: التَّكَبُّر بِغَيْرِ حَقّ وَالْفَسَاد أَخْذ الْمَال بِغَيْرِ حَقّ وَقَالَ اِبْن جُرَيْج{ لَا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْض} تَعَظُّمًا وَتَجَبُّرًا{وَلَا فَسَادًا} عَمَلًا بِالْمَعَاصِي .
فبداية الانهيار الأمريكي هو الجزاء الطبيعي للغطرسة والتكبر وإرادة العلو و الفساد في الأرض.
ولنا وقفة مع موقف الشعوب الإسلامية وأخص منها العربية من الأحداث:
فلاشك أن الانهيار الأمريكي مفرح للشعوب العربية المقهورة والتي تشعر بالظلم والقمع سواء بسبب الاحتلال الأمريكي للعراق والدعم المتواصل لإسرائيل ومحاربة الشعب الفلسطيني, كذا احتلال أمريكا لأفغانستان المسلمة, وتعاونها الدائم مع الهند للضغط على باكستان, ومحاربتها للمسلمين في الصومال والسودان, كل هذا يجعل المسلمين في فرح لبداية الانهيار الأمريكي .
ولكن المحزن هو انهيار اقتصاديات الكثير من الدول العربية المسلمة التي ربطت اقتصادها بالاقتصاد الأمريكي وربطت عملتها بالعملة الأمريكية, مما سيؤثر لا محالة على اقتصاديات شعوب المنطقة العربية .
ولكن هذا الجانب المظلم له أسباب تتعلق بالشعوب لابد أن تقف الشعوب العربية مع نفسها فيه, لعل أهم هذه الأسباب ضعف شعيرة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر, وتكون في حق الحاكم بالنصح والتبيين من العلماء العاملين, حفاظاً على الدماء والأعراض, وقد روى أبو داود واللفظ له، والترمذي عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن أول ما دخل النقص على بني إسرائيل أنه كان الرجل يلقى الرجل، فيقول: يا هذا اتق الله ودع ما تصنع فإنه لا يحل لك، ثم يلقاه من الغد وهو على حاله، فلا يمنعه أن يكون أكيله وشريبه وقعيده، فلما فعلوا ذلك ضرب الله قلوب بعضهم ببعض، ثم قال: {لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرائيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُدَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ * كَانُوا لا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنْكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ * تَرَى كَثِيراً مِنْهُمْ يَتَوَلَّوْنَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَبِئْسَ مَا قَدَّمَتْ لَهُمْ أَنْفُسُهُمْ أَنْ سَخِطَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَفِي الْعَذَابِ هُمْ خَالِدُونَ} (المائدة:78-80) إلى قوله: {فاسِقُونَ} »، ثم قال: « كلا والله لتأمرن بالمعروف ولتنهون عن المنك ، ولتأخذن على يد الظالم، ولتأطرنه على الحق أطراً »، ومعنى تأطرنه: أي تعطفه وتقهره إلى اتباع الحق .
وروى ابن ماجة وابن حبان عن عائشة رضي الله عنها قالت: دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم فعرفت في وجهه أنه قد حضره شي فتوضأ، وما كلّم أحداً، فلصقت بالحجرة أستمع ما يقول، فقعد على المنبر، فحمد الله، وأثنى عليه، وقال: «يا أيها الناس، إن الله يقول لكم: مروا بالمعروف، وانهوا عن المنكر، قبل أن تدعوا فلا أجيب لكم، وتسألوني فلا أعطيكم، وتستنصروني فلا أنصركم » ، فما زاد عليهن حتى نزل .
ومثل هذا كله قول الله تعالى في قصة أهل السبت: {فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ أَنْجَيْنَا الَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ السُّوءِ وَأَخَذْنَا الَّذِينَ ظَلَمُوا بِعَذَابٍ بَئِيسٍ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ} [الأعراف:165]، فأهلك الله طائفة، وعفى عن الذين نهوا عن السوء وسكت عن الثالثة الذين قالوا: { لِمَ تَعِظُونَ قَوْماً اللَّهُ مُهْلِكُهُمْ أَوْ مُعَذِّبُهُمْ عَذَاباً شَدِيداً} [الأعراف:164] . وكان ابن عباس يبكي بكاءاً شديداً عند هذه الآية ويقول: "فأرى الذين نهوا قد نجوا، ولا أرى الآخرين ذكروا، ليت شعري ما الله صانع بهم" .
وقد نرى في وجوه البسطاء من الشعوب الإسلامية العربية الفرحة وعدم الاكتراث بما أصاب اقتصاديات بلدانهم لسبب جلي وواضح هو أنهم أصلاً لا يستفيدون بأي نماء في اقتصاد بلدانهم وإنما تذهب المكاسب لفئات طبقية معينة وهم الملأ, فلا يشعر المواطن المسلم العربي ولا يلمس تغييراً حقيقياً يطرأ على حياته جراء أي نماء اقتصادي, بينما تتوزع الخسائر على الجميع, لذا فالمواطن العربي المسلم يجد نفسه في خسارة اقتصادية في كلا الحالين لذا فالأقرب له أن يفرح في خسارة ظالم أكبر كأمريكا إذا كان نماء وطنه يذهب لأصحاب السلطان ولا يعود على الشعوب في الغالب ونستثني من رحم الله .
وعلى النقيض نجد شعوب مسلمة أسيوية قد ارتفعت اقتصادياتها لبعدها عن مجال الساحر الأمريكي اقتصادياً, فحق لمثل هذه الشعوب أن تفرح وليكون فرحها اليوم آية لحكام خافوا من أمريكا كخوفهم من الله بل أكبر, وربطوا قلوبهم واقتصاد دولهم بحبال أمريكا التي باعت لهم الوهم ثم ها هو ذا وهمها يأكلها وتحترق هي نفسها به .
فيا أمة الإسلام أما آن أوان تطبيق شرع الله في النفس والمال, أما آن أوان تطبيق الاقتصاد الإسلامي بعدما جربت النخب كل الاقتصاديات المستوردة, أما آن أوان الوقوف مع النفس ونصح الحكام بالتي هي أحسن وبيان عوار الحكم الواضح في معظم حكومات المنطقة العربية وتصحيح الأوضاع, وإعطاء العلماء حقهم من الاحترام والتبجيل ووضعهم في صدارة الأمة والأخذ بنصيحتهم عملاً بكتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم.
أما آن أوان تحرير العقول الإسلامية السجينة أو المقيدة والمقفل أمامها جميع الأبواب, وتركها لتفكر وتقترح وتطرح ما لديها من نصائح للإصلاح.
اللهم أبرم لأمة الإسلام أمر رشد يعز فيه أهل الطاعة ويهدى فيه أهل المعصية ويؤمر فيه بالمعروف وينهى فيه عن المنكر, اللهم ولي أمورنا خيارنا ولا تولي أمورنا شرارنا واجعل ولايتنا فيمن خافك واتقاك واتبع هداك يا أرحم الراحمين.
( نقلا عن : طريق الإسلام )
| |
|